في معركة مكافحة انتشار فيروس كورونا، يلعب الاعلام دوراً كبيرا في التأثير على الرأي العام، الذي يُطلبُ منه التقيد بالتعليمات التي تضعها المؤسسات الصحية المختصة، سواء كانت محلية أو دولية، لمحاصرة انتشار هذا الوباء الذي يجتاح العالم دون رحمة، بعد أن عبث وبشكل كبير في اسلوب حياتنا اليومية.
تلجأ بعض وسائل الاعلام الى لنشر الاشاعات بتضخيم المعلومات او التقليل من شأنها، او نشر المعلومات احياناً من باب الاثارة، معتقدة أنها بذلك ترفع نسبة القراء، وأحياناً تكون تلك المعلومات غير صحيحة، مجهولة المصدر، مُضَلِلَة، وهذا ما ينطبق على ما نشرته صحيفة ttg dzinnik turystyczny)) بتاريخ 8 نيسان 2020 بعنوان (مظاهر غير مسبوقة للأزمة – niespotykane oblicza kryzysu).
العنوان وحده غريب، مثير، يخدم سياسة الاحتلال الاسرائيلي، من حيث المبدأ الاثارة هنا دون مضمون صحيح، علماً أن القوانين والمواثيق الدولية تُجبر الدول القائمة بالاحتلال على التزام المعايير الدولية وحماية الشعب الواقع تحت احتلالها، غير ان “اسرائيل” الكيان القائم بالاحتلال لأراضي دولة فلسطين لا تلتزم بأي مواثيق، ففي الوقت الذي تتوحد فيه الجهود الدولية “او هكذا يجب أن يكون” تحت مظلة منظمة الصحة العالمية لمكافحة انتشار وباء فيروس كورونا، تقوم حكومة تسيير الاعمال في “اسرائيل” بعكس ذلك، من خلال عرقلة الجهود الفلسطينية التي أشادت بها منظمة الصحة العالمية[1] ومؤسسات طبية واعلامية اسرائيلية كذلك.
من المستغرب في هذا الوقت بالذات، والعالم باسره يحاول استجماع قواه، قيام بعض وسائل الاعلام بنشر معلومات غير صحيحة، فقط للإثارة، ولا نرى وصفاً لها سوى الاثارة المضللة!؟
لو كان العنوان الذي بدأت به الصحيفة دقيقاً، لما كان الامر مستغرباً، ولكانت الصحيفة أصابت غايتها، غير ان الحقائق تشير الى غير ذلك للأسف.
ونجد من الضروري وضع مجموعة من الامور علَّها توضح الصورة ليس للصحيفة فقط، وانما للقراء والرأي العام ايضاً؛ ففي ظل مكافحة العالم انتشار هذا الوباء، ونجاعة الاجراءات الفلسطينية للتصدي لهذا الوباء مبكراً، لم تتوقف “اسرائيل” دولة الاحتلال عن اقتحاماتها الليلية للمدن والقرى الفلسطينية وهدم المنازل، في رام الله، وبيت لحم، ونابلس، والخليل، وقامت بتدمير الحواجز التي وضعتها الشرطة الفلسطينية لإغلاق المناطق التي تعرضت للوباء في محافظة بيت لحم[2] وألقت بالعمال الذين اصيبوا اثناء عملهم في “اسرائيل” ما بعد حواجزها الاحتلالية[3] على قارعة الطريق دون تقديم اي علاج لهم، وقبيل الاعياد اليهودية هذه الايام اعادت سلطات الاحتلال الاف العمال الفلسطينيين الذين يعملون في اسرائيل ( واحياناً تقوم بتهريبهم دون المرور على نقاط الفحص الطبية الفلسطينية) دون اجراء الفحوصات اللازمة لهم، ورفضت طلباً فلسطينياً للقيام بذلك بحجة نقص شرائح الفحص؛ والشواهد أكثر من ذلك، فكيف لحكومة احتلال تقوم بكل ذلك أن تقدم المساعدة للحكومة الفلسطينية لمواجهة تفشي هذا الوباء!!؟ كيف لهذا الاحتلال ان يساعد الفلسطينيين؟
لقد اشاد بعض المسؤولين الإسرائيليين العاملين في المجال الصحي واعلاميين إسرائيليين بالإجراءات الفلسطينية لمكافحة انتشار هذا الوباء، في خطوات سبقت فيها كثير من الدول وبينها إسرائيل، ونستغرب بعد ذلك ان تقوم مؤسسة اعلامية بنشر معلومات مظللة للجمهور ومجافية للحقيقة.
والحقيقة أن إسرائيل لم تقدم اية شرائح فحص لقطاع غزة، بل كانت معيقاً لوقت طويل امام نقل الشرائح التي أرسلتها وزارة الصحة الفلسطينية لقطاع غزة، وادعاء الصحيفة ان إسرائيل قدمت شرائح لقطاع غزة غير صحيح؛ كما لم تقدم إسرائيل أي شكل من اشكال المساعدة الطبية في الضفة الغربية، بل كانت تَسخَرُ من الإجراءات التي قامت بها الحكومة الفلسطينية لحماية شعبها، وكانت في الغالب معرقلاً لتلك الاجراءات.
في خطواتنا الاولى لمكافحة هذا الوباء في مدينة بيت لحم نجحنا في حصر الوباء وكانت الاعداد لأيام عديدة محصورة ما بين 20- 35 مصاباً، قفزنا بعدها في أعداد المصابين الى 250 تقريباً، عندما بدأت إسرائيل بتهريب العمال الفلسطينيين المصابين من إسرائيل الى الأراضي الفلسطينية دون مرورهم عبر نقاط الفحص الطبية الفلسطينية، وباتت جهودنا موزعة في أكثر من منطقة. واليوم 9 نيسان 2020 أطمئن الجميع أن الجهود الفلسطينية نجحت مرة أخرى في محاصرة هذا الفيروس وبدأت الاعداد تتناقص مرة أخرى في دلالة واضحة الى نجاعة الجهود الفلسطينية.
قد يتحدث البعض عن تلك الأرقام ويراها قليلة مقارنة بما يجري في “إسرائيل” أو غيرها، وهذا صحيح، ونتمنى للجميع الشفاء العاجل، لأن كل حياة بشرية مهمة؛ وما يجب مقارنته هنا هو الإمكانيات التي تفتقد لها فلسطين وبشكل كبير بفعل وجود الاحتلال الذي يعبث بكل المقدرات الفلسطينية، وما نعتمد عليه دوما هو الكادر الفلسطيني، الذي أجاد وأبدع بجهوده الى جانب التزام المواطن الفلسطيني وبدرجة كبيرة بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية.
وأخيراً، ما نشرته الصحيفة، ما هو سوى توظيف سياسي يخدم الاحتلال الإسرائيلي، وكان الامر يتطلب من الصحيفة التدقيق أكثر في معلوماتها لترى الحقيقة امام اعينها. وقد تجاوزت عن قصد او دونه، الاجراءات الاسرائيلية في القدس الشرقية باعتقال الشبان الفلسطينيين المتطوعين لتعقيم الاحياء الفلسطينية، واعتقال سلطات الاحتلال الاسرائيلي وزير شؤون القدس فادي الهدمي، ومحافظ القدس عدنان غيث لأنشطتهم في مكافحة انتشار فيروس كورونا في مدينة السلام، عاصمة دولة فلسطين، القدس؛
والواقع أن “اسرائيل” تعرقل الجهود الفلسطينية لمكافحة انتشار هذا الوباء، في الوقت الذي تحتاج فيه جهود مكافحة هذا الوباء، تضامناً دولياً لحماية ارواح الاف المدنيين.
وهنا أجد لزاماً عليَّ التذكير بالخطاب الذي بعث به الرئيس الفلسطيني محمود عباس[4] للأمين العام للأمم المتحدة السيد انطونيو غوتيرش، والذي دعاه فيها الى توحيد الجهود الدولية لمكافحة انتشار وباء فيروس كورونا[5]
والامر الاخير الذي لا نستطيع المرور أمامه مرور الكرام، هو تمرير الكذبة الكبيرة، حول ايهام القراء ان الموساد الإسرائيلي قد اشترى عشرات الالاف من شرائح الفحص (الاعلام الإسرائيلي تحدث عن فسادها) من دول عربية او بمساعدة دول عربية (بحنكة حكومة الاحتلال أو أجهزة أمنها) فهذا امر غير صحيح بالمطلق، ولا ارى ضرورة للحديث فيه أو حوله لأنه لا يستحق.
العالم أمام تحديات كبيرة، كان كذلك قبل ظهور هذا الوباء، وتلك التحديات حاضرة وسط هذه الازمة العالمية، وستبقى حاضرة ما بعد هذا الوباء، ما نحتاجه حقيقة، جهد دولي نشط وفاعل للحفاظ على القيم الانسانية، ونشر العدالة والالتزام بالمواثيق الدولية، أن تكون تلك المواثيق مُلزِمة للجميع ومطبقة على الجميع بمعيار واحد، فإما أن نحتكم لمنظومة دولية فاعلة أو تحكمنا شريعة الغاب.
[1] رسالة متلفزة وجهها السيد جيرالد روكنشوب مدير منظمة الصحة العالمية في فلسطين بتاريخ 11 مارس 2020.
[2] https://aawsat.com/home/article/2189666/%D8%A5%D8%B3
[3] حاجز بيت سيرا – بتاريخ 23 مارس 2020 https://www.bbc.com/arabic/topics/cxnyk7q9kynt
[4] بتاريخ 24 مارس 2020
[5] 25 مارس 2020 – انظر موقع سفارة فلسطين www.palestine.pl